الأحد، 30 أغسطس 2009

رسالة إلى امرأة


راضي المترفي



. سيدتي :
. من أين ابدأ رسالتي ...؟
. من السنين التي احترقت بين أصابعي كاحتراق سجائري
أو من أحلامي التي لم ترى النور من خلف أجفان مطبقة …
او من آمال ذبحت على شطآن الروح وهي لم تخطو خطواتها الأولى بعد ..؟
. من أين يا سيدتي ..؟
. من عمري الذي أضعته في الانتظارات على بوابات المدن وأرصفة المحطات وزحام المودعين ..
. من شبابي الضائع هدرا خلف سواتر ترابية وفوق صهوات خيول من حديد او في غرف لا أبواب لها …
. من طفولة أحاطها البؤس وغلفها الفقر وسرقت بسمتها ..؟
سيدتي ..
هل ابدأ من وطن رسم الغرباء خريطته ؟.
كي يسهل غرز خناجرهم في ظهره ..؟
واستولى على مقادير الامور فيه الادعياء
وقبلهم حوله الفاتحون الى بستان قريش
ترسل غلته بمواسمها الى الحاكم في عاصمة الخلافة
ويجوع اهله ويسجنون ويقتلون
او يتهمهم الحاكم والوالي بالزندقة لكي يسهل التخلص منهم

. من اين أبدء يا سيدتي ..
. من حشد الناس واخراجهم قسرا في مظاهرات ومسيرات حاشدة تهتف باعلى الاصوات الخائفة من الموت المذعورة من سياط جلاوزة القائد ( بالروح .. بالدم نفديك يا سفاك الدم )
. من حروبنا والمحارق التي اعدت لنا والموت المجاني على الحدود والعودة الى المدن بنعوش يغطيها علم مشؤوم لايحمل غير لون دمي ولون ثوب حزن امي .؟
. من الحصارات المضروبة حولي وتحرم الاطفال والشيوخ والنساء والرجال من الطعام والدواء وغيره من الضروريات .
من المقرات الحزبية التي اعتدت على دخولها كلما صادفني احد الرفاق ( الحزبيين ) اسير في الزقاق او الشارع ولم اردد ( صرخة تعلو فمي انت يا .. دمي ) او من مقرات مديريات الامن المنتشرة بين البيوت وفي كل الضواحي وغالبا ما نكون زوارها بعد الواحدة ليلا ويعلق الضيوف على مراوح سقوفها كالذبائح بمجرد دخولهم ثم تتواصل مفردات الضيافة الامنية بعد ذلك .
. من اعراف العشيرة التي ذبحت قصة حبي الطاهرة وزوجت حبيبتي لأبن عمها ورمتني بأحضان امرأة احمل لها مشاعر محايدة ببرودة الحديد .
. من علاقتي بجاري الذي يحرص على مراقبتي وكتابة تقاريره اليومية عن من يزورني ومن يقابلني ومن يدخل بيتي حتى تركت له البيت والمحلة والمنطقة والبلد فمارس حرصه على اخي الاصغر .
. من ثقافتي التي ارادوا تجييرها لحب القائد او اكمم فمي قبل ان يخرسوه هم .
. من أين أبدء ياسيدتي ..؟
ربما تصابين بالحيرة مثلي لتعدد البدايات وتنوعها وقد تقررين مثلي ايضا بالبداية . من الوطن لكن تذكري ياسيدتي اني حتى الان بلا وطن وقد لاتعلمين اني اعرف الوطن على انه ( مجموعة علاقات ) لابيوت ومدن وازقة وممتلكات وحملت وطني هذا حسب تعريفي في سويداء قلبي وعبرت به حدود دولا ومدن لاتحصى واعترف لك : نمت على تراب بوابات حدود انتظارا لموافقة عبور او اجتياز فنام وطني معي وتجاوزت غيرها فكان وطني يركض قبلي وكان كذلك موقوفا معي في في غرف الاحتجاز .. جاع وطني وتعرى واحتاج وبكى وتألم وتأوه وغنى واسترخى معي على اثيل حديقة نائية في مدينة غاب شرطتها السرية لسويعات
لم اغترب لآن وطني يرافقني باستمرار لكني في احيان كثيرة افقد الاتصال به وفي احيان اخرى استبدلته بأمراة أوصفها لك كما يحلو لي انا :
في مدن الغربة أمرأة
تسرج قنديلي
من زيت تنزفه
في ليل الغربة عيناها
في مدن الغربة امرأة
ضاعت مثلي
هاجر موطنها
وطفولتها
وصباها
لكن هذه المرأة ياسيدتي اختلفت معي بتعريف الوطن فذهب كل منا مع وطنه الذي عرفه وشطت بنا السبل وها انا الان اعاني من تلاشي الوطن في صدري المثقل بالحب للاوطان واخاف ان يتلاشى هذا الحب النبيل قبل الاستدلال الى وطن فهل تقبلين سيدتي ان تكوني الوطن وتسمعين دقات قلب مواطن وتقرئين اوراق طلب الانتماء لك كوطن او امرأة رائعة :


كوني وطنا
كي لا يذهب حبي هدرا
كوني قمرا
كي يشعل فينا جذوة عشق
كوني قدرا...
بل كوني أحلى الأقدار
كوني أما .
.كوني أختا ..
كوني عشقا
كوني سندا
كي نسبح ضد التيار
كوني وطنا
حتى امسك قلما ..
احضن جرحا..
كوني ورقا ..
كي اكتب تأريخا عن وطن..
يغلي غضبا
..ينثر حبا .
.يحترم الإنسان .

عذرا سيدة ميسون فقد اثار طلبك شجونا قديمة في صدري تراكم عليها غبار النسيان والاهمال وانشغلت بغيرها لكن دعوتك الكريمة واختيارك لي نفض غبار السنين عن هذه المشاعر فقمت بتسطيرها على الورق فشكرا لك مني ومن هذه المشاعر بعد ان قمت بتحريرها بدعوتك المباركة .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق