الأحد، 30 أغسطس 2009



طاق الرحى والام امهات الامس البعيد

راضي المترفي

ما تنسمع رحاي بس ايدي اتدير اطحن بقايا الروح موش اطحن شعير


ان هذا البيت من الشعر الدارمي يشرح معاناة القائم بطحن الحبوب وهي عادة ماتكون المرأة في الازمنة الغابرة يوم كان الطحن يجري على ادوات بدائية هي طاقين من الحجر المنحوت اضافة الى ( يدة ) من الخشب يحفر لها في احد اطراف الدائرة الصخرية لكي تتمكن المرأة من ادارة القرص الاعلى فيقوم بدوره بطحن الحبوب التي تدلى من فتحة اعدت لهذا الغرض في الطاق العلوي وعموما فعملية الطحن في السابق متعبة مرهقة وتتطلب وقتا طويلا ولو لم تكتشف لنا الحضارة والمدنية مكائن طحن حديثة وميكانيكية لربما رفضت نسائنا الطحن خصوصا ونحن نعيش زمنا ديمقراطيا يؤمن بمشاركة المرأة في جميع مجالات الحياة وتصور لو ان المحروسة عضو في المجلس البلدي او نائبة في البرلمان او موظف بدرجة مدير عام وانا اعمل محرر بصحيفة يومية كيف يكون الحال .. ؟ اليس من الممكن ان اكون انا الذي يجلس خلف الرحى ويمسك بقبضتها ويطحن الحنطة او الشعير او التمن ويدندن مع دورانها ببعض ابيات الدرامي التي ربما الفها زميل اخر اجبرته وظيفة الست العالية على الطحن او اكون انا المؤلف و..
قلبي اعلا فركه اهواي خرزه وتبابي لأطحن واكضي الليل باربع حبابي
لكن حمدا وشكرا لله بعد وصل التطور والطحن بمكائن حديثة تطحن الحبوب وتكيسها ولاتجعلنا نحتار او نجبر على ادماء راحات الايادي من خشبة الرحى واستهلاك عشرات الابيات من الدارمي وساعات الليل الطويل وكل هذا ربما لايكفي لوجبة واحدة خصوصا اذا كان طحين تمن واقل واحد ما ترد صدره (سياحتين ) واذا تسائلنا اليوم عن من يطحن لنا وكيف يطحن على الرحى او على المكينة .؟ وهل يجتر ابيات الدارمي والمعاناة مثلما كان الطحانون السابقون يجترون هموهم .؟ اكيد للطحانين الجدد همومهم ومشاكلهم وتنانير المواطنين تفغر فاها يوم يتأخر الطحان عن ايصال دقيقه لها وتحدث لي طحان عصري هو صاحب مطحنة الشرق قائلا:
لااعرف الكثير عن طحن ايام زمان ولكني سمعت من والدتي غيرها عن معاناة المرأة مع الرحى وكيف تسهر ليلها بجانبها وحيدة لتطحن قوت يوم او بعض يوم وهي في هذه الحالة تضطر لآن تسلي نفسها بقراءة اشعار حزينة فتراها مرة تنخرط ب(نواعي ) لااول لها ولا اخر او تسلطن على بيت دارمي تردده ساعات لكن عموما انا ارى ان التقنية الحديثة والتطور في مجال الطحن كان رحمة وخصوصا بالنسبة للمرأة رغم ان اغلب النساء الان لاطحن ولاخبز ويشترن صمون .
في حين قالت الزايرة ام عطيوي وهي على مسؤوليتي نسخة عثمانية قديمة جدا :
. اتذكر في صباي ان في اغلب البيوت رحي وكان المحصول قليل بحيث لايكفي لاشباع العائلة لكن طحن هذا القليل يتطلب من النساء السهر لساعات وساعات وكنا نتقسم الى مجاميع فكل اربعة او خمسة جارات يجتمعن ببيت واحد ويبدأ طحين الشعير او الحنطة او التمن ولاتختصر العملية على يوم واحد فهي تستمر على مدار الايام وكان الشيوخ عادة ما يعملون ولائم فيجمعون بنات السلف للقيام بالطحن وكنا نتبادل ابيات الشعر ونتداولها وكان العمل على الرحي يمجل الايدي ويحني الظهر ويدعو للبكاء .

عودا على بدء وبيت الدارمي الذي يخفي صوت الرحى اقول كان الله في عون جداتنا الطيبات ورحمهن الله بعد ان ارتحلن عن عالمنا ولم يبقى مما يذكر بمعاناتهن حتى في المتاحف نماذج لتلك الرحي استهلكت الكثير من ليلهن وراحتهن وصحتهن واعطتهن ميزة الغناء الشجي الحزين في انصاف الليالي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق