الخميس، 21 يناير 2010

جولة في مدينة السماوة وضواحيها



كتابة وتحقيق
راضي المترفي




حينما تطارد ذاكرتك وتتجه بها صوب الذكريات المخفية تحت طيات الأزمنة يأخذك الشرود المبهم المغمور بمحنة التراكمات البعيدة الى تلك الليالي الممتدة كأمسيات مترنحة على اوتار صوت قادم من بعيد من عمق زمن السماوة وتاريخها من اسوار الوركاء العالية .. من انتظارات كلكامش لصديقه الوفي انكيدو الباحث عن الخلود .. وتمر بك دروب الذكريات بين ازقة ودرابين الصوب الشرقي والصوب الغربي تتوقف في ( القشلة ) حينا أوتجلس في ( صوب البرامه ) او تتمطى ارض ( عجد دبعن ) تحت قدميك وهي تسمعك همسات عشاق السماوة وشعرائها وتستفز الذاكرة المتعبة على ان تأتي بذلك الصوت القصي المضمخ بملوحة السماوة.. انه صوت السماوة المتأرجح بين المحنة والوطن.. وتجود الذاكرة فتنتعش ذاكرة السماوة المدينة والبادية ويسترخي القمر برذاذ الذكريات وتغتسل السماوة بألق الشعر وتتنشف بعطر قصائد ابنائها الاتية كأسراب نوارس بيض من المنفاني الباردة باحثة عن الدفء والحنين .. الى الوطن الام .. الى السماوة .. ملاعب الطفولة والصبا والشباب وبواكير الوعي والاحلام الغضة وتنعكس ارتعاشاتها المقمرة على قلائد الأنجم الحالمة فيدب الأمل المخبوء تحت رمال المحنة والغربة والالم وازقة السماوة ودروبها وبين نخيلها وعلى ( تخوت ) مقاهيها وصدور عشاقها وتتعالى غيوم الحنين فتصغي السماوة بكل مسامعها لتسترق لحن البقاء وتحلم برشف كاس نشوتها من شفة الحلم وتحتضن الشعاع الهاطل كالمطر المنهمر ، تلون ارتعاشه ايماءات وايحاءات القصائد.. فتنسى المدينة وقارها ومحنتها وتخلع رداء خوفها من السلمان ونقرته وتمزق صمتها منشدة مع ابنها ؛
( وهذا مايك اتخضر الدنية على اضفافه حرير
وانت لسه اتمرجحك ذيج الظنون باليصير اوما يصير)
يا سماوة ..
أيتها السومرية
الباحثة عن الخلود دوما
يامن منحتي اسوار الوركاء ارتفاعاتها
يامن تقفين بين حيرة الرحيل والبقاء
وبين الوداع واللقاء
وتنشدين اغاني ليلك الطويل المضمخة بروائح النخيل
وتغتسلين بدموع محنتك من دون ان تفرطي بالامل
او تضيعين بين طيات النسيان
اغاني كلكامش التي كان يقتل بها الملل انتظارا لانكيدو
او اغاني عزيز السماوي الذي فقد بصره ولم يفقد امله بالعودة الى احضانك
( أريدك كمرة تضوي الروح ....
وتحدر مشاحيف الحلم بالروح ...
واجيك بحسبه حداري ...
وارد بين الكصب مشحوف ..
ويطك مني الضمير شراع ..
للوادم سفر ، ولعيونك ..
أمر بين القوافي صور .. مطر .. مطر )
ايتها السومرية المتهادية بين النخيل :
من هنا مر السمؤال وعروة الصعاليك وتعلم المتنبي النطق في باديتك
وكبر ابنائك شاكر وعزيز وناظم ومحمد اسماعيل وكاندو ومحسن الخياط وتفرقت بهم السبل والدروب واحتوتهم المنافي والقبور وكلما اوغلوا بالبعد كنت تقتربين من القلوب اكثر وتلتصقين باسمائهم كعنوان وهوية :
( جان بسنين التعدت عندي عود ...
بس جنت ما عرف ادك ...
وعله مر الوكت علمني زماني شلون ادك ..
ردت عودي ما لكيته ابيش ادك ..
ايتها السومرية ياوركاء الحاضر والماضي
يامن كتبت اول حرف في التاريخ )
ياسماوة المبدعين ..
افتحي الواحك الطينية واكتبي بقلم سماوي اخر:
(. انه.. فصول اربعة.. وعمري سجل للزمن..
وأيامي جدول ضرب..
وتظل حياتي نخل.. مرهونة لاهل الصدك..
موزهدي.. تمرة حَبْ..
جرب.. وشوف الطبع.. موبس..!
حجي عالورق.. ولابالقلم ينبت..
ويمكن اتبدل.. جذب..!! )
.. ومثلما يقولون بدئنا من الاخر وبالتحديد من ( يمكن اتبدل جذب ) وتسائلنا هل تغيرت السماوة او تبدلت فعلا وهي التي عاشت عهدين متناقضين مختلفين الاول ديكتاتوري وعانت فيها مثل مدن العراق الجنوبية الاخرى اقسى المعاناة واشدها وعهد ديمقراطي يدعي المسؤولين فيها انهم جائوا لخدمة الناس وتحسين امورهم المعاشية وتقديم الخدمات لهم .. هذا ماسيتبينه القاريء من خلال جولتنا في هذه المدينة السومرية العريقة والتي انجبت الشعراء والادباء والثوار والسياسين وافتخر نخلها على باقي النخيل يوم قال ( طرتني سمره ) ولااعلم اصابة بالجفاف من اثر مرور تلك السمراء ام ان هناك اسباب اخرى ..
المدينة تعاني من تخلف في مجال الخدمات البلدية والصحية والتنظيمية وكل المجالات من دون ان يظهر تغيير ملموس رغم مرور ستة سنوات على التغيير الكبير الحاصل بالعراق ورغم قيلم ابناء السماوة بانتخاب حكومة محلية من ابناء المحافظة .. تجولنا بمركز المدينة والاحياء ورئينا كل شيء بالعين المجردة وتوقفنا بين المواطنين في زحام السوق والشارع والمنعطفات والمداخل وكان لنا هذه الجولة وللمواطنين هذه المعاناة ..
كان لقائنا الاول بالمواطن حسين يونس رحمن من صوب البرامه الذي قال :
كنا في الماضي نمني النفس بسماوة تحصل على حقوقها مثل المدن المحظوة او المشمولة برعاية الحكومة وعندما نخيب نلوذ بالصمت والانتظار عل الزمن يجود يوما بالتفاتة للسماوة وقد حصل التغيير وانزاح النظام الذي كان يعامل السماوة بجفاء يصل حد البغض واستبشرنا خيرا وانتقلنا نحن وسماوتنا الى الزمن الديمقراطي لكننا خبنا ايضا اذ لم تحصل المدينة على لفتة رعاية مهما كانت صغيرة وبقيت تعاني الاهمال والغبن والحيف رغم اننا انتخبنا حكومة محلية ( مجلس محافظة ) من ابناء السماوة مرتين علما ان هناك بعض الاصلاحات والاعمار لكنها محدودة وغير كافية للنهوض بواقع المدينة نتمنى ان يقوم مجليس المحافظة الحالي خصوصا وهو باقي له في السلطة ثلاث سنوات بتقديم شيئا يتناسب مع تاريخ المدينة وتضحياتها واستحقاقها وان يحصل ابنائها على ما كانوا يمنون النفس به .
وكان محدثنا الثاني الشيخ جفات بن الثائر شعلان ابو الجون احد ابرز قادة ثورة العشرين ومن وجهاء السماوة والرميثة وشيوخها المعروفين الذي قال :
ان السماوة عموما والرميثة خصوصا هي مهد ثورة العشرين ومنطلق شرارتها الاولى ضد المحتل وهذه المحافظة الباسلة عوقبت على مر العهود السابقة بسبب قيامها بالثورة حتى ان احد شعرائنا عاتب الملك في احدى زياراته قائلا له :
( تعبت اعليك ماخليت
ونصبت حكومة وسلميتك بيت
تطي البي المطره
ومطره تصاوغ بيه )
وهو عتب للملك لانه سلم ادارة البلد في حينها للعملاء الذين دفعوا ثروة البلد لغير اهله ونحن اليوم لااقول يتشابه امسنا ويومنا لكن اقول ان المحافظة تعاني من الكثير وتنقصها الضروريات ويقتلها الظمأ رغم ان الفرات يشطرها الى نصفين تموت زورعنا ويتحول نخيلنا الى جذوع يابسة وتتشقق بطون انهارنا من الجفاف ولاهناك من يتحرك لانقاذ السماوة من عطشها ويسقيها حد الارتواء .. خدماتها دون المستوى المطلوب ومجلس المحافظة يلقي باللوم على الحكومة المركزية ويطلب زيادة التخصيصات والمشاريع لاتنفذ بدقة او بشكل كامل ومعاناة المحافظة تكبر يوم بعد يوم . اتمنى ان تلفت حكومة المحافظة والحكومة المركزية الى خطر التصحر الزاحف نحو الاراضي الزراعية بالمحافظة بشكل مذهل ووضع الحلول لها والا فأن المحافظة خلال سنين قليلة تكون كلها امتداد لصحراء السلمان .
وبالصدفة سألنا المواطن يحيى عباس كريم عن ضاحيته فقال ( عجد دبعن ) فاستعادة اولئك الشعراء الكبار الذين ارخوا لهذا المكان واحبوه وانتموا له فسألناه كيف حال ( عجدكم ) الان وهل طرء عليه تغيير او تطوير ؟ فاجاب :
ليس ( العجد ) وحده وانما المحافظة اهملت اكثر من السابق علما ان الحالة الامنية عندنا في البداية كانت شبه مستقرة لكنها بعد قليل من الوقت استقرت تماما والحمد لله مما لايترك عذرا لاحد من المسؤولين بعدم الاسراع في مشاريع الاعمار ومد شبكات الخدمات وتعبيد الطرق وانعاش الزراعة وبناء المدارس والمراكز الصحية والاسواق وتوفير الحصة الكافية من المكياه لكن اغلب المسؤولين يتحججون باعذار شتى منها قلة التخصيصات او عدم وجود مستثمرين او ان وزراة شؤون المحافظات لاتعطي اهتماما بالمحافظة والمواطن في السماوة يتزود كل يوم بالامل ويتذرع بالصبر عل الامور تتغير نحو الاحسن ومضت على هذه الحال ست سنوات ولااعلم متى يأتي الفرج وقد تأتي الانتخابات القادمة من يجلب للسماوة فرحا واعمارا .
المواطن داود سلمان .. نريد فرص عمل تقضي بها الحكومة على البطالة ونعيل نحن عوائلنا بها .
المواطن جعفر كاظم – فلاح – لانريد منهم شيئل غير توفير حصة مياه بحدودها الدنيا قبل ان تتحول حقولنا ومزارعنا الى صحاري قاحلة .
المواطن حسين علي حسن : نريد توفير الخدمات البلدية واستقرار وضع الكهرباء وايصال الماء الصالح للشرب لكل الاحياء والبيوت .
المواطن حمادي حسون : نريد تبليط الطرق بين القرى والارياف وبناء مدارس لابنائنا فيها .
انسحبت بهدوء ان شعرت اني لو بقيت دهرا لما عجز ابناء السماوة من تعداد احتاجاتهم التي لم توفرها لهم الحكومات على بساطة اغلبها وتمنيت ان ازور السماوة في وقت لاحق وارى علامات الاعمار والازدهار وبشائر الرضى تعلو وجوه اهل السماوة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق