الأحد، 30 أغسطس 2009

جسور الثقة بين الناخب والمرشح وعوامل الاهتزاز

كتابة وتحقيق : راضي المترفي



قبل اكثر من اربعين شهرا وفي صباح من صباحات كانون الشاتية تحول العراق من اقصاه الى اقصاه الى كرنفال فرح او سيل جارف تتعالى موجاته البشرية كلما اقتربت من المراكز الانتخابية وصناديق الاقتراع وكانت اهازيج الرجال ( الهوسات ) وزغاريد النسوة ( الهلاهل ) وتحدي الارهاب هي السمة البارزة اضافة لحناء الانتخابات ( الحبر الصيني ) وكانت العوامل التي تدفع العراقيين نحو مراكز الانتخابات كثيرة ومتنوعة وكان اولها الامل بالخلاص التام من الديكتاتورية والتأسيس لحكم ديمقراطي والاحساس بأن الشعب هو من يعين حكامه وكان للرد على الارهاب حصة كبرى في زحف العراقيون وتحديهم له رغم كل الاشاعات والتهديدات التي اطلقها الارهابيون في وقتها من استهداف المراكز الانتخابية وكان لدعاية الاحزاب الانتخابية وطريقة ممارستها دورا بارزا بالتحشيد الجماهيري والهياج العاطفي الذي اوصل بعض الناخبين الى حد التوتر والتعصب والاستعداد لعمل كل شيء مشروعا او غير مشروع من اجل ان يحصل الكيان الذي قرر التصويت له على حصة الاسد من اصوات الناخبين ولازالت هناك مشاهد من ذلك اليوم ترسخت بالذاكرة وابت مغادرتها رغم مرور ثلاث سنوات ونصف واحداث كثيرة ومن تلك المشاهد وقوف تلك المرأة الفارعة والتي لازالت تحتفظ بمسحة جمال رغم عبورها حاجز السبعين عاما على باب احد المراكز الانتخابية واطلاقها الزغاريد كلما اقبلت نحو المركز مجموعة من الناخبين وكانت تستقبلهم بالماء والشاي وخبز ( السياح ) وهو خبز معمول من الرز العراقي واشتهرت به مناطق العمارة ومايحيطها من مدن وقرى الجنوب وبكلمات ( هله بيكم هله بالنشامه .. اليوم يومكم .. الوكت الكم ولن ايام السود .. انتخبوا اليفيدكم وتردفها بهلهوله ) ومن ثم تودع من يضعون اوراقهم بالصناديق برش الماء خلفهم وكلمات ( جدمكم اخضر .. مودعين بالله .. العوده) ولم تكن طيبة وترحاب من يقفون بقرب الصناديق تشبه طيبة تلك المرأة او تقترب منها وانما كانت تقوم على حسابات الربح والخسارة والمراقبة الدقيقة ومحاولة التأثير على من يفكر بالشذوذ عن قاعدة التجمع السكاني الذي ينتمي له حد التشنيع لذا كانت هناك قوائم تعرضت الى ظلم وحرمت من استحقاقها بسبب تخطيط قوائم اخرى واستغلال العرف الاجتماعي والدين وكان الشيوعيين والعلمانيين حرموا الكثير من استحقاقهم الانتخابي في المناطق التي يسيطر عليها المسيطرون على الطرف الاخر بكل تنوعاته وتاثير الدعاية المضادة لهم واتهامهم بانهم غير متدينين او حتى لايأمنون بالله وكان لزج المرجعية في شأن الانتخابات من قبل الاسلاميون ضربة معلم استطاعوا من خلالها حصر بعض الناخبين في خانة لايحسدون عليها وفق مبدأ اذا انتخبت غيرنا فعليك تحضير للجواب للرب يوم القيامة عندما يسألك لماذا لم تنتخب قائمة المرجعية وهكذا ذهبت الكثير من الاصوات في صناديق لاترغب بها وتشكلت على اساس ذلك خارطة مجلس النواب ومجالس المحافظات واليوم ونحن على اعتاب استحقاق انتخابي لمجلس النواب لاتشارك فيه الاحزاب والكيانات القديمة وحدها وانما يصل عدد الكيانات المشاركة في هذه الانتخابات الى قرابة 500 كيان اضافة لاعلان المرجعية الواضح بوقوفها على مساحة واحدة من كل القوائم المتنافسة في الانتخابات . واذا كان البعض يرى ان تزويرا حصل في صناديق الاقتراع السابقة كنا ومازلنا نرى ان التزوير بدء من دعايات الاحزاب ضد بعضها بشكل غير منصف والصاق التهم وجعل انتخابها سبة او وصمة عار او خروج من الدين او المذهب او العشيرة وحصل هذا في كثير من المناطق وتحت نظر الجميع واليوم وانتخابات مجلس النواب تقترب ويقترب وقتها حتى وان خضعت للتأجيل وقد انكشف الكثير من خيوط اللعبة وربما تساوت الحظوظ في بعض الاماكن ومن هنا تبرز التساؤلات .. هل يستطيع انصار (اللون الاحمر ) رفع اوراقهم واصابعهم والاعلان عن انتخاب مرشحي الحزب الشيوعي حميد مجيد ومفيد الجزائري وغيرهم في مناطق تخضع لسيطرة الاسلاميين المطلقة ..؟ وهل يستطيع انصار اياد علاوي وقائمته العراقية التصويت لهم في مناطق لازالت تهاجم علاوي علنا وتمتدحه سرا .؟ وهل يستطيع طارق الهاشمي والحزب الاسلامي حصد اصوات اهالي الانبار او الموصل ..؟ وهل تشكل زيارات الساسة المعروفين الى الى مناطق لم يفكروا بزيارتها سابقا بداية للحملة الانتخابية .؟ وهل يتمكن المنسلخين من احزابهم الام والمؤسسين لتجمعات جديدة مثل ابراهيم الجعفري وسلام الزوبعي وغيرهم الحصول على جزء مناسب من كعكة انتخابات مجلس النواب.؟ وتطول قائمة الاسماء المتوهجة والمحترقة اضافة لمن طواها النسيان او لازالت تصارع من اجل البقاء حتى وصول قطار انتخابات مجلس النواب القادم ويركبه المنتصرون من محطة الانتخابات القادمة والذي يحرص البعض على ان تكون بطاقة ركوبه شرعية موقعة من الناخب نفسه ولايستطيع ( تيتي ) في العالم كله الاعتراض عليها في حين يريد اليعض الاخر بطاقة توصله الى مجلس النواب وكفى .. ومن هنا كانت لنا جولة بين الناخبين الذين لم يحن بعد وقت ذهابهم وتزاحمهم وتدافعهم بعد ان يدفعهم المرشحون باتجاه صناديق الاقتراع والمراكز الانتخابية ندعم او ندحض من خلال اقوال الناخبين ما سطرناه وحرصنا على نقل ارائهم واقوالهم كما هي .
كان مروري الاول في ( مسطر ) ساحة الطيران في الباب الشرقي وهناك شاهدت احد العمال يسند ظهره للجدار الكونكريتي فاقتربت منه وحييته فرد تحيتي وهم بالنهوض ظنا منه اني ابحث عن عامل .. اجلسته وهو يعدد ( كراك ..طواس .. لباخ .. عامل اشتايكر .. شتريد اني ) .
. قلت لاهذا ولاذاك ولكني اود ان اسألك عن الانتخابات القادمة لمجلس النواب .. من تنتخب؟
. أيه يبويه انتخب السوى السياج والكطع الكهرباء والذبحني عطش وابو النفط وحرامية ذاك الصوب وابو الحصة .
. وبعد يا....
. ابوحسين .. ابوحسين .
. وبعد ياابو حسين ؟
. عمي انا صاحبي بس ( كركي ) والباقي كلمن ايدور على مصلحته .. ياعراق ياعراقيين هذ كله (يلخ) .
وكان توقفي الثاني عند بائع السمك ( الجري ) واسمه ابو سعدي قرب ساحة الطيران مدخل شارع الشيخ عمر.. سألته مارأيك بالانتخابات ياابو سعدي وهل حددت من تنتخب ؟ .
. نحن هنا خمسة اشخاص نبيع السمك انا الوحيد الذي يبيع الجري بينهم وكل واحد يأكل رزقه والمشتري هو من يختار والمفروض بالقوائم الانتخابية عرض بضاعتها اقصد برنامجها الانتخابي بصدق وتترك الخيار للناخب من غير ضغوط فليس من المعقول اجبر احدهم على شراء الجري وهو لايأكله او يرغب ( ببنيه ) اللهم الا اذا قمت بغشه او اجباره او منع دخول انواع السمك الاخرى الى مدينة لاتأكل الجري .
. وماذا بعد يا أبا سعدي .؟
. ( اكصلك جريتين تازه لو تتوكل حتى اشوف شغلي ) .
. وفي الثالثة توقفت عند كشك بيع الصحف والمجلات في الجهة الثانية لساحة الطيران فشاهدت رجلا خمسيني يشتري جريدة ( طريق الشعب ) فقلت ممازحا ومتحرشا ( هذي جريدة الشيوعيين)
فقال الرجل نعم وانا واحد منهم هل تريد شيئا.؟
. قلت اود ان اسألك عن موقفك من انتخابات مجلس النواب .؟
. الانتخابات بالاضافة الى كونها عملية ديمقراطية هي عمل حضاري رائع يجب ممارسته والحرص على المشاركة فيه لكن لكل لعبة اصول والبعض في العراق مع الاسف لايلعبون باصول وانما على مبدأ ( لواغلب لو ما العب ) وهذا يدفعهم الى الغاء الاخر ولايهمهم ان كانت اداة الالغاء بندقية او الاشاعة او التشويه او اجبار الناخبين او محاولة تزوير الانتخابات وقد عانينا في الانتخابات الماضية من ذلك كثيرا ونطمح ان تكون انتخاباتنا المقبلة خطوة صحيحة على الطريق وان لانكرر اخطاء وممارسات الانتخابات السابقة وان لايلجا الاخرون الى استخدام القوة او التعكز على الدين او غيره وليركض الجميع في المضمار بحظوظ متساوية ويصل خط النهاية من يستحق الفوز ومن اقتنع به الناخبون .
بالصدفة استجدتني متسولة مادة يدها نحوي ومتمتمة بكلمات لم اسمعها جيدا فتصنعت البحث عن نقودي ولوكانت تعلم ان المدير المالي للجريدة التي اعمل بها يهون عليه قلع ضرسه ولايصرف لاحد 250 دينار خارج الراتب المقررلما مدت يدها .. قلت لها :
. هل تشاركين بالانتخابات القادمة .؟.
. في الزمن الماضي كنت متسولة افترش الرصيف والزوايا المظلمة وكم تعرضت للاغتصاب من شرطي او مخمور بعد انصاف الليالي وكم رقت لحالي ورحمتني قلوب المحسنين وفي هذا العهد لازلت متسولة ولكن العمر تقدم بي كثيرا حتى بت لااخشى اغتصاب احدهم لي فماذا تفعل لي او تعيد هذه الانتخابات ؟ سأموت حتما على احد الارصفة او تحت عجلات سيارة مسرعة وفي احسن الفروض اموت من جراء ما احمل من امراض او من الجوع من دون ان يفجع بي احد .. جيب الربع دينار . يلله مع السلامة .. المني كلام المتسولة المتحولة الى زاهدة او حكيمة او يائسة وقررت ان انهي ما بدئت به ولكن صاحب المقهي التي جلست للراحة فيها قدم لي ( استكان ) الشاي مع ابتسامة واهلا بالصحافة وسؤال : وين ماوين وصلنا بالديمقراطية استاذ ؟ . فقلت :
. وصلنا الى استحقاق انتخابات مجلس النواب للمرة الثانية في الزمن الديمقراطي واتمنى ان يكون لك رأي فيها .؟.
. كانت الانتخابات في السابق صورية وفي هذا العهد لم تكن كذلك وهي انتخابات حقيقية حتما ولكن ما يشينها او يعكر صفوها التكالب والتنافس غير المشروع والطرق الملتوية التي تسلكها بعض الاطراف من اجل حسم النتائج لصالحها ولو اقتنع الجميع بأن الديمقراطية لعبة وهذه اللعبة تجري على اشواط طيلة عمر الانسان واذا اقتنع الفرد او الحزب بقبول مبدأ الخسارة والربح في اللعبة فأنه حتما يقبل الخسارة اذا وقعت في هذا الشوط ويعد العدة للفوز في شوط اخر وبلعب مكشوف وشرعي وهكذا تستمر اللعبة وتتوالى الاشواط ويتعدد الفائزون لكن مع الاسف البعض يصر دائما على ان يكون الفائز وهذه هي الطامة الكبرى اتمنى ان يتفهم الناخبون والمرشحون اصول اللعبة جيدا ويقرون بوجود الخصم وامكانية فوزه لكي لايصدمون في حالة الخسارة ويتمكنون من الاستعداد لشوط قادم . ثم صاح بصوت جهوري ( وعندك شاي سنكين للاستاذ ) فعرفت ان الحديث انتهى ولملمت اوراقي وخرجت من المقهى وانا احدث نفسي بالقول :
الاف يصعب عدها من السنين يوم تقاتلا ابني ادم مع عدم وجود من ينافسهم على وجه الارض ومنذ ذلك التاريخ ونحن احفادهم نتبادل الادوار مرة المجرم مرة الضحية .. ابناء القاتل وابناء المقتول ونسعى جاهدين نحو التكامل والتسافل بين الرفض والقبول وبين التفرد والمشاركة حتى اكتشف احدنا وربما كان يوم اكتشف الديمقراطية يتحرك تحت شعور ابن المقتول يعني الضحية فارادها حماية للجميع من خلال المشاركة وقبول الاخر .. لكن هل رضخنا لها جميعا ومارسناها وفق اصول من وضعها ورسم ملامحها ؟ اعتقد اننا لم نتخلص من ازدواجيتنا فتحت الشمس نحن ابناء المقتول ونطالب بالعدالة للجميع وفي الظلام نحن ابناء القاتل ونبحث عن كل من ينافسنا لقتله وازاحته عن طريقنا حتى تخلو الساحة لنا وهكذا نقترب من موعد انتخابات مجلس النواب القادمة ونحن نقف على مفترق طرق يتطلب منا ذلك الوقوف الصعب حسم امرنا والوقوف في احد مربعين لاثالث لهما وعلينا اما ان نكون ابناء المقتول الذين يطالبون بتحقيق العدالة للجميع واما ان نكون في مربع ابناء القاتل الباحث عن اخر يقتله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق